بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 25 أكتوبر 2010

تسعة أعشار

النسخة الإلكترونية من صحيفة الرياض اليومية الصادرة من مؤسسة اليمامة الصحفية





عبدالرحمن عبدالله العيدان*






حضرت قبل عدة سنوات دورة تدريبية مغلقة نظمها البنك الذي كنت أعمل فيه في أحد فنادق مدينة الرياض، حينها كان الكويتي الشهير الدكتور طارق السويدان مقدم الدورة ولأهمية موضوعها أو لأسباب أخرى فقد حضر فريق من إحدى المؤسسات الإعلامية الشهيرة لتصوير الدورة كاملة.






لم أكن قد التقيت الدكتور السويدان قبل ذلك، ولكن الصورة الذهنية المنطبعة في ذاكرتي كان يغلب عليها الجانب الديني أكثر من أي جانب آخر كان يتمتع ويمتع به.






حضرت أنا و زملائي باكراً.. أخذت مكاني إلى الجهة اليسرى من موقع المتحدث.. انتظرنا وتحدثنا بهمس وهدوء وإذ بالدكتور يأخذ مكانه خلف منضدة المتحدث.. ودون أن يلقي تحية الإسلام أو أي تحية أخرى وبدون مقدمات رمى بسؤاله الأول.. أين تعملون؟ مع العلم أنه كان على دراية تامة بالإجابة, فهو شخصيا أو من خلال مؤسسته تعاقد مع البنك الذي نعمل فيه، أجبنا على السؤال بملامح مندهشة!! وإذ به يرمي بالسؤال الثاني.. لماذا تعملون في هذا البنك؟






لا أخفيكم أنه وإن كان هناك أي أثر بسيط للخمول الصباحي المعتاد فقد اختفى. وكما ذكرت سابقاً فأنا كنت أقرب شخص للمتحدث من الجهة اليسرى.. وبعد أن طرح سؤاله الثاني وعلى خلاف السؤال الأول بدأ من أول زميل إلى اليمين.






تعددت الإجابات فمن مجيب باهتمام البنوك وتطويرها للفرد إلى مجيب بأن صناعة المستقبل الوظيفي تبدأ من هنا إلى كونها المستقبل و.. و.. تكررت الإجابات وتكرر هز رأسه يميناً و شمالاً وكأنه يُخطئ جميع الإجابات.






ورغم أني حظيت بموقع استراتيجي جعلني أستعرض إجابات زملائي وأحصر خياراتي.. إلا أنه حين جاء دوري تنبهت إلى أن زملائي لم يبقوا لي إلا إجابة لا مناص من البوح بها رغم أنها تُخجل الكثيرين.. ولو كان تم طرح نفس السؤال على مجموعة من الأمريكيين لكنت متأكداً و جازماً أن إجابتي ستكون هي إجابة أول وثاني وثالث.. و.. إلى آخر المجموعة.






أجبت المال هو السبب وهو محفزي على الانضمام والعمل في البنك.. ابتسم الدكتور السويدان.. وهز رأسه موافقاً وقال: "أنت صح" و قبل أن (أنشكح) وقبل أن أرمق زملائي بنظرة التميز والخيلاء سارع بقذيفة أخرى وقال لي: "وأنت أيضا خطأ".. كدت أفقد توازني من على الكرسي ولم يتسنَ لي متابعة نظرات زملائي المسترحمة الشامتة فنظرت إليه متسائلا "كيف؟"






أعاد إجابته التسائلية أو سؤاله المستجوب






"أكيد كلكم تحبون الفلوس؟"






"أكيد كلكم ودكم تصيرون مليونيرية؟"






وقبل أن نكشف المستور بادرنا بسؤال مباشر "مين فيكم يبغى يصير مليونيرا؟".. أجبنا بصوت واحد مجمعين "أنا"






هنا هدأ صوت محاضرنا وابتسم ابتسامة (غير شكل) وقال بصوت خفيض:






" اللي يبغى يكون مليونيرا يرجع اليوم لمكتبه ويأخذ ورقة ويكتب فيها استقالته ويقدمها (حق) مديره وبكرا الصباح أقوله كيف يكون مليونيرا!!"






(يالله صباح خير!!) لم يبق للصباح أثر في عيوننا.. ابتسمنا ابتسامات صامتة تخفي العديد من التساؤلات.






وبطريقة من يوقظك من حلم؛ غير الدكتور من وقفته وطبقة صوته وقال: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنا أخوكم طارق السويدان.. وبدأ يسرد سيرته الذاتية.. وشرع في موضوع الدورة الأساسي..






لم يشدني من قبل أو من بعد هذه الدورة التدريبية متحدث أو مدرب أو خطيب مثلما حدث لي ذلك الصباح.. لن أتحدث عن مهارات التدريب والإلقاء والجذب والتسويق والترويج فالمشهد الصباحي الذي رويته كاف... وفعلاً مر يومنا الأول خفيفا مع شخصية المدرب المميزة وثقيلا بانتظار صبيحة الغد!!






وفي اليوم الثاني دخل محدثنا متهاديا ومبتسما "هاه يا جبناء؟.. كم واحد قدم استقالته؟"






لم ينتظر إجاباتنا بل أردف قائلا لقد كررت ما حدث صباح الأمس وصباح اليوم في معظم دوراتي التدريبية وكنت أصل لنفس النتيجة، كانت جميع صباحات اليوم الأول والثاني متشابهة إلا صباحاً واحداً رفع فيه أحد المتدربين ملوحا بورقة استقالته وقال: "أريد أن أكون مليونيرا؟؟






أتعلمون ما هي إجابتي حينها؟






"تسعة أعشار الرزق في التجارة" كما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم.. أنت الآن في الميدان؛ البحر من أمامك و العدو من خلفك.. فجر طاقاتك.. أبدع .." انتهى






لننظر إلى واقعنا اليوم.. كم عدد الوظائف الحكومية؟.. ابحثوا.. عودوا إلى إحصاءات وزارة التخطيط وستبهرون من قلتها كنسبة الى عدد السكان!!






عدد كبير من شبابنا يعملون بالوظائف الأمنية الخاصة!!.. نأنف أن ننزل بمستوياتنا إلى المهن البسيطة، كما أننا في نفس الوقت لا نصمد في الوظائف التي تتطلب ساعات عمل أطول! وزد على ذلك لا نقدم على المهن الفنية المربحة، وكذلك لا ننجذب إلى أعمال المتاجر الصغيرة، إذاً ما العمل؟






الحل في المهن الفنية المدرة للدخل.. الحل في تجارة الأعمال (المنشآت الصغيرة).






أتحدث إلى زملاء من جنسيات مختلفة.. يكادون يجمعون على تساؤل واحد:






"كيف تتحدثون عن بطالة وقلة أعمال ونحن بالملايين نسترزق من هذه البلاد".






الآن نحن نعدل في سياساتنا التعليمية وستعود مخرجاتها إيجابا على التفكير والتأهيل، لكننا نحتاج إلى قرارات ذاتية فورية، دعوا حرب العشر وابحثوا عن أرزاقكم في التسعة أعشار، دعوا الكراسي وامتهنوا "احتطبوا" ثوروا على الكراسي.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق